العرض في الرئيسةتحليلات

الأسباب التي سمحت للسعودية بلعب دور يفوق حجمها الطبيعي رغم فشلها في أولى تجاربها العسكرية في اليمن

يمنات – صنعاء

تعتمد الدول، كما الأفراد، على عنصرين رئيسيين في سبيل تحقيق الأهداف المتوخّاة، الأول ظاهر والآخر خفي. ورغم أن القدرات الصلبة لهذه الدول تعدّ جانباً بارزاً في سياستها الداخلية والخارجية، إلا أن الجانب الخفي الذي يدخل في سياق القدرات الناعمة، لا يقل أهمية، خاصّة بعد أن بات العالم أشبه بـ”القرية الكونيّة”.

السعودية ليست عن هذا الأمر ببعيد، حيث تمتلك جانباً خفيّاً من القدرات الناعمة، أو غير العسكرية على حدّ أقل. لا يمكن اعتبار التسليح العسكري السعودي الذي جعلها في المرتبة الثالثة عالمياً خلال العام 2015 أحد أسباب الدور السعودي في الإقليم والعالم، فقد أثبتت هذه القدرات فشلها في اليمن، على أقلّ تقدير، حيث تراوح الطائرات والقوّات السعودية مكانها منذ أكثر من 18 شهر. أمريكا، على سبيل المثال، تستخدم قدراتها العسكرية لتكريس قدراتها الصلبة بدءاً من أفغانستان وليس انتهاءً بالعراق، وأما السعودية فقد فشلت في أولى تجاربها العسكرية في اليمن.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، يتعلّق بالأسباب التي سمحت للسعودية في لعب دور يفوق حجمها الطبيعي، وهي أسباب بعضها جليّ كـ”البترودولار”، وأخرى خفيّة، أو ربّما غير ظاهرة، سنحاول تلخيصها بالتالي:

البترودولار

تعد هذه النقطة تحديداً أحد أبرز وأوضح قدرات السعودية التي سمحت لها بتعزيز دورها، فضلاً عن الوقوف في مواجهة أي مشاريع تعترضها. هذه الأموال أبرز “أذرع” السعودية من الإقليم إلى العالم،على سبيل المثال الحصر، نجحت السعودية في شطب اسمها من القائمة السوداء التي تعدها الأمم المتحدة وتضم الأطراف التي تنتهك حقوق الأطفال في الصراعات المسلحة وذلك بعد تهديدها بوقف تمويل الكثير من برامج المنظمة.

لا تقتصر السياسات السعودية في هذا الشأن على المؤسسات الدولية، لاسيّما الحقوقية منها بغية إسكاتها، فضلاً عن دخول مراكز الأبحاث، لاسيّما الأمريكية، في البرنامج الاقتصادي السعودي، بل تعمد السعودية إلى استخدام الأسلوب نفسه مع العديد من الدول كمصر وباكستان والسودان والأردن وبعض دول شمال افريقيا. الدعم السعودية في هذا الإطار إما يكون على شكل حزمات اقتصادية تقدّر بمليارات الدولارات، أو عبر الدعم النفطي الذي يغطي جزءاً من احتياجات هذه الدول.

الدين

لا يقتصر الدور السعودي على سلاح النفط، بل تعمد الرياض إلى تجيير تاريخ الجزيرة العربية ورمزية مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة لصالح مشاريعها السياسيّة. هنا عمدت السعودية إلى تقديم نفسها كزعيمة للعالم الإسلامي على حساب مصر السياسيّة التي حاولت تحييدها بالدعم الاقتصادي، ومصر الدينية، الأزهر الشريف، حيث حاولت التأثير على قراره عبر بعض التسهيلات التي يحصل عليها مشايخ الأزهر من السعودية.

مكّة أيضاً، كانت عنوان لسياسات الرياض، ففي حين تستغل موسم الحج لفرض شروطها على بعض الدول مهدّدة بقطع حصّة الأخيرة من الحجاج، وهو ما رفضته إيران في العام الأخير بعد رفض السعودية تقديم ضمانات حول سلامة وأمن الحجّاج بسبب كارثة منى، تحاول أيضاً الاستفادة من رمزيّة “مكّة المكرّمة” في عدوانها على اليمن حيث اتهمت اليمنيين بمحاولة استهداف مكّة رغم أن الصاروخ الأطراف الشمالية لجدة الساحلية حيث يقع مطار الملك عبدالعزيز الذي يبعد حوالي خمسة وستين كيلومتر عن مكّة المكرّمة.

الفتاوى الدينية، ليست بعيدة عن الاستراتيجية السعودية حيث تستخدم الرياض “مشايخ الوهابية” لاستصدار الفتاوى التي تصبّ في صراعهم السياسي على الصعيد الداخلي والخارجي. داخلياً، هناك عشرات الفتاوى التي تمنع أي إعتراض داخلي، كان آخرها تحذير مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ السعوديين من مصير مشابه لسوريا واليمن – حد قوله -ان فكروا بالاعتراض على أوامر الملك سلمان التقشفية بتخفيض الرواتب.

الفتاوى الدينية لا تختص بالداخل، فشقّ كبير من سياسة السعودية الخارجية يعتمد على هذه الفتاوى تحديدا، سواءً في “الدفاع عن الحدود الجنوبيّة للمملكة”، أو “في ارسال الدعم المالي والعسكري إلى الجماعات المسلّحة في سوريا” في أوائل، كل هذا بعيداً عن المشروع الخاص للنظام السعودي الذي يمرّ عبر أطُره الخاصّة.

كذلك، يكشف الفيديو الأخير الذي سجله الداعشي السعودي عبد الله المحيسني عن جانباً آخر في الحرب العبثية التي يدرها آل سعود في سوريه، وفيه يوجه المحيسني خطبة إلى والدة شاب تم التغرير به وتحويله إلى عبوة متفجرة لتنفيذ عملية انتحارية بعدما منحه صكا إلى الجنة والزفاف بالحور العين.

الإعلام

لا تكفي النقاط المذكورة أعلاه لتحقيق الأهداف السعودية لاسيّما على الصعيد، لذلك تستثمر السعودية آلتها الإعلامية الضمة في سبيل مشاريعها السياسيّة. وتملك السعودية أقلام المئات من الكتّاب السعوديين والعرب والأجانب أيضاً لتبييض الصحفة السعودية أمام الرأي العام العالمي.

بعيداً عن مئات الأخبار والموضيع الكاذبة لهذه الآلة الإعلاميّة الضخمة، لاسيّما على وسائل التواصل الاجتماعي، تستخدم السعودية آلتها الإعلاميّة لتبرير جرائمها، ففي مجزرة الصالة الكبرى نفت السعودية الأمر خلال اليومين الأولين، كذلك، بالأمس، في مجزرة الحديدة نفى اللواء الركن أحمد عسيري، المتحدث باسم تحالف العدوان استهداف طائرات التحالف احد السجون بمحافظة الحديدة الأمر الذي أدّى إلى استشهاد أكثر من 60 شخص، مؤكداً أن ” قيادة قوات التحالف ملتزمة بقواعد وإجراءات الاستهداف بشكل كامل”!

إن هذه النقاط تعد أبرز أضلع مثلّث القدرات السعودية، وفي حال انتفت إحداها ستتأثر النقاط الأخرى بشكل تلقائي، فهل ستنجح السعودية في الحفاظ عليها؟ لا ندري الإجابة الدقيقة، لكن وصول سلمان، وإبنه محمّد، إلى الحكم عجّل في استنفاذها، لا بل القضاء عليها.

المصدر: الوقت

زر الذهاب إلى الأعلى